سورة الحديد - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحديد)


        


{ينادونهم} يعني ينادي المنافقون المؤمنين من وراء ذلك السور حين حجز بينهم وبقوا في الظلمة {ألم نكن معكم} أي في الدنيا نصلي ونصوم {قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم} أي أهلكتموها بالنفاق والكفر واستعملتموها في المعاصي والشهوات وكلها فتنة {وتربصتم} أي بالإيمان والتوبة وقيل تربصتم بمحمد صلى الله عليه وسلم وقلتم يوشك أن يموت فنستريح منه {وارتبتم} أي شككتم في نبوته وفيما أوعدكم به {وغرتكم الأماني} أي الأباطيل وذلك ما كنتم تتمنون من نزول الدوائر بالمؤمنين {حتى جاء أمر الله} يعني الموت وقيل هو إلقاؤهم في النار وهو قوله تعالى: {وغركم بالله الغرور} يعني الشيطان قال قتادة ما زالوا على خدعة من الشيطان حتى قذفهم الله في النار {فاليوم لا يؤخذ منكم فدية} أي عوض وبدل بأن تفدوا أنفسكم من العذاب وقيل معناه لا يقبل منكم إيمان ولا توبة {ولا من الذين كفروا} يعني المشركين وإنما عطف الكفار على المنافقين وإن كان المنافق كافراً في الحقيقة لأن المنافق أبطن الكفر والكافر أظهره فصار غير المنافق فحسن عطفه على المنافق {مأواكم النار} أي مصيركم، {هي مولاكم} أي وليكم وقيل هي أولى بكم لما أسلفتم من الذنوب والمعنى هي التي تلي عليكم لأنها ملكت أمركم وأسلمتم إليها فهي أولى بكم من كل شيء وقيل معنى الآية لا مولى لكم ولا ناصر لأن من كانت النار مولاه فلا مولى له {وبئس المصير}.


قوله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} قيل نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة وذلك أنهم قالوا لسلمان الفارسي ذات يوم حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزل {نحن نقص عليك أحسن القصص} فأخبرهم أن القرآن أحسن من غيره فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ثم عادوا فسألوه مثل ذلك فنزل {الله نزل أحسن الحديث} الآية فكفوا عن سؤاله ما شاء الله ثم عادوا فسألوه فنزلت هذه الآية فعلى هذا القول يكون تأويل قوله: {ألم يأن للذين آمنوا} يعني في العلانية باللسان ولم يؤمنوا بالقلب، وقيل نزلت في المؤمنين وذلك أنهم لما قدموا المدينة أصابوا من لين العيش ورفاهيته ففتروا عن بعض ما كانوا عليه فعوتبوا ونزل في ذلك ألم يأن للذين آمنوا الآية قال ابن مسعود ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين أخرجه مسلم وقال ابن عباس إن الله تعالى استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن فقال ألم يأن يعني أما حان للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم أي ترق وتلين وتخضع قلوبهم لذكر الله أي لمواعظ الله {وما نزل من الحق} يعني القرآن {ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل} يعني اليهود والنصارى، {فطال عليهم الأمد} أي الزمان الذي بينهم وبين أنبيائهم {فقست قلوبهم} قال ابن عباس مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ القرآن والمعنى أن الله نهى المؤمنين أن يكونوا في صحبة القرآن كاليهود والنصارى الذين قست قلوبهم لما طال عليهم الدهر روي عن أبي موسى الأشعري أنه بعث إلى قراء البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرؤوا القرآن فقال أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم قاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم {وكثير منهم فاسقون} يعني الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم قوله عز وجل: {اعلموا أن الله يحيي الأرض} أي بالمطر {بعد موتها} أي يخرج منها النبات بعد يبسها فكذلك يقدر على إحياء الموتى وقال ابن عباس يلين القلوب بعد قسوتها فيجعلها مخبتة منيبة وكذلك يحيي القلوب الميتة بالعلم والحكمة وإلا فقد علم إحياء الأرض بالمطر مشاهدة {قد بينا لكم الآيات} أي الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا {لعلكم تعقلون إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً} أي بالنفقة والصدقة في سبيل الله {يضاعف لهم} أي ذلك القرض {ولهم أجر كريم} أي ثواب حسن وهو الجنة.


{والذين آمنوا بالله ورسوله أولئك هم الصديقون} أي الكثير والصدق قال مجاهد كل من آمن بالله ورسوله فهو صديق وتلا هذه الآية فعلى هذا الآية عامة في كل من آمن بالله ورسوله وقيل إن الآية خاصة في ثمانية نفر من هذه الأمة سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام وهم أبو بكر وعلي وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة وتاسعهم عمر بن الخطاب ألحقه الله بهم لما عرف من صدق نيته، {والشهداء عند ربهم} قيل أراد بالشهداء المؤمنين المخلصين قال مجاهد كل مؤمن صديق شهيد وتلا هذه الآية وقيل هم التسعة الذين تقدم ذكرهم وقيل تم الكلام عند قوله هم الصديقون ثم ابتدأ والشهداء عند ربهم وهم الأنبياء الذين يشهدون على الأمم يروى ذلك عن ابن عباس وقيل هم الذين استشهدوا في سبيل الله، {لهم أجرهم} أي بما عملوا من العمل الصالح {ونورهم} يعني على الصراط {والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم} لما ذكر حال المؤمنين أتبعه بحال الكافرين.
قوله عز وجل: {اعلموا أنما الحياة الدنيا} أي مدة الحياة في هذه الدار الدنيا وإنما أراد من صرف حياته في غير طاعة الله فحياته مذمومة ومن صرف حياته في طاعة الله فحياته خير كلها ثم وصفها بقوله: {لعب} أي باطل لا حاصل له كلعب الصبيان {ولهو} أي فرح ساعة ثم ينقضي عن قريب {وزينة} أي منظر يتزينون به {وتفاخر بينكم} يعني إنكم تشتغلون في حياتكم بما يفتخر به بعضكم على بعض {وتكاثر في الأموال والأولاد} أي مباهاة بكثرة الأموال والأولاد وقيل بجمع ما لا يحل له فيتطاول بماله وخدمه وولده على أولياء الله تعالى وأهل طاعته ثم ضرب لهذه الحياة مثلاً فقال تعالى: {كمثل غيث أعجب الكفار} أي الزراع إنما سمي الزراع كفاراً لسترهم الأرض بالبذر {نباته} أي ما نبت بذلك الغيث {ثم يهيج} أي ييبس {فتراه مصفرّاً} أي بعد خضرته {ثم يكون حطاماً} أي يتحطم ويتكسر بعد يبسه ويفنى {وفي الآخرة عذاب شديد} أي لمن كانت حياته بهذه الصفة قال أهل المعاني زهد الله بهذه الآية في العمل للدنيا وهذه صفة حياة الكافرين وحياة من يشتغل باللعب واللهو ورغب في العمل للآخرة بقوله: {ومغفرة من الله ورضوان} أي لأوليائه وأهل طاعته وقيل عذاب شديد لأعدائه ومغفرة من الله ورضوان لأوليائه لأن الآخرة إما عذاب وإما جنة {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} أي لمن عمل لها ولم يعمل للآخرة فمن اشتغل في الدنيا بطلب الآخرة في له بلاغ إلى ما هو خير منه وقيل متاع الغرور لمن لم يشتغل فيها بطلب الآخرة.

1 | 2 | 3